بجد يا جماعة القصة حلوة اوى
كنت قد عثرت على موقع لأصدقاء المراسلة بالصدفة حين كنت أجري بحثا على شبكة الإنترنت في الرياضة البحتة. خطر ببالي أن أدور في الموقع قليلا، فتصميمه سهل كما يبدو عليه الجدية. الأسماء مرتبة بعناية وهناك قائمة بالاهتمامات تظهر بجوار كل اسم. هذا يحب الغناء وهذه تحب الرقص.. عادي جدا. ما لفت نظري حقا هو اهتمامات هذه الفتاة.. اسمها "رضوى".. القراءة والكتابة والرسم. قرأت أكثر في التفاصيل التي وضعتها على الموقع وأدهشتني خفة دمها وطريقة تعبيرها عن نفسها.
وجدت نفسي أسجل نفسي خصيصا كي أتعرف عليها، وكي أتأكد أنها حقا قارئة كما تزعم.. نادر هو وجود فتاة قارئة في هذه السن، بل وتكتب أيضا.. للأمانة لم يكن في فكري أن الفتيات يمكنهن قراءة أي شيء بخلاف المناهج الدراسية التي يقرءونها على مضض بالطبع.. اهتمامات البنات بالنسبة لي لا تتخطى حدود معرفتهن بالأزياء والديكور.
أرسلت لها الرسالة الأولى، وأرسلت لأخريات وآخرين أيضا من الموقع. لطالما أحببت المراسلة ولكن بطء البريد كان يقلل من عزمي دوما. وصلني ردها.. كان أسلوبها في الكتابة آسرا وكان فعلا ينم على ثقافة واسعة وليست ادعاء. اقتربنا أكثر وتحدثنا في أمور الفن والسياسة والأدب واكتشفنا اتفاقنا في صفات كثيرة جدا. كنت صادقا معها في كل حرف أقوله وهي كذلك.. كانت علاقتنا علاقة صداقة حميمة.. كانت ثقتي فيها تزداد والعكس صحيح. كنت قد تعلقت بها كثيرا ولا أطيق أن يتأخر ردها على رسائلي لدرجة أنني في أحيان كثيرة كنت أتفقد صندوقي البريدي بعد أن أرسل لها رسالتها بـ15 دقيقة فقط!
مرت الأيام ودون أن ندرك مر على علاقتنا سنة. في هذا الوقت فقدت كل الأصدقاء الإلكترونيين الآخرين.. طباعنا مختلفة كما أنهم أشخاص مملون للغاية.. خاوون من الداخل.. لا يوجد لديهم ما يتحدثون فيه غير التفاهات للأسف.. أما هي فمختلفة.. كانت تطلعني على أسرارها وكأنما تفتح أمامي صندوقا للعجائب.. كم كانت رائعة وحنونة ومجنونة!
ازداد تعلقي بها وبشخصيتها للحد الذي لم أستطع تحمله.. فاتحتها في موضوع ارتباطنا رسميا.. أصيبت بالذهول.. ولكنها كانت تتمنى ذلك بينها وبين نفسها.. أنا أعرف!
كانت متخوفة من الفكرة وكان لديها قلق عملاق من أن أصدم فيها أو من أن تكون شخصيتها عبر الإنترنت مختلفة عن شخصيتها الحقيقية. صارحتها بمخاوفي أنا الآخر، وقلت لها ألا تتوقع "جورج كلوني" أو "آل باتشينو"! لكن كان لا مفر من اللقاء.. إذا كانت هناك رغبة حقيقية في نقل هذه العلاقة لمستوى آخر أعلى كان لابد أن نلتقي لأننا سنتزوج في الحقيقة وليس على فضاء الإنترنت أكيد!
اتفقنا على موعد ومكان اللقاء.. المكتبة العامة.. الساعة الثانية ظهرا! لم أكن أرغب في أن نتقابل في مكان من ذوي السمعة السيئة لأنني أخاف عليها أكثر من نفسي..
وكانت المفاجأة الرائعة.. كانت كما تخيلتها تماما.. ليست خارقة الجمال، لكن لوجهها ملامح مصرية جذابة وفي حديثها براءة وفي نبرة صوتها عذوبة جعلتني أطير وأنا أقف بجوارها.. في بداية لقائنا مرت لحظات صمت حرجة.. تلتها نظرات مختلسة مني لها و.. يا الله كم أعشق خجلها! تحادثنا لساعات.. وكنا نستغرب كثيرا إن ذكرنا أيا من "أسرارنا" التي كنا نتبادلها على الإيميل ولا يعرفها سوانا.. كنا نبتسم في وقت واحد وكأن لسان حالنا يقول "هو إنت بقى رضوى؟".. "هو إنت بقى أحمد؟" كنت أشعر بارتياح شديد وأنا أكلمها وهي كذلك.. تركت لها مهلة للتفكير في موضوع الارتباط بعد اللقاء وكان الجواب "أيوه طبعا إنت مجنون؟!"
اضطررنا للانتظار شهرين حتى أتخرج.. هي تصغرني بسنة وتمت خطبتنا في إجازة الصيف فور أن حصلت على وظيفة في إحدى شركات التأمين.. وهكذا استقبلت "رضوى" عامها الأخير بكلية الإعلام ودبلتي تزين إصبعها..
في أحيان كثيرة أفكر في مجازفة الارتباط.. نادر هو الحصول على شريك الحياة عبر الإنترنت.. بل ومحفوف بالمخاطر أيضا، فكيف لي أن أعرف أن ما حكته لي هو صحيح وأن ما أحكيه لها هو صحيح أيضا.. ربما صراحتنا المتبادلة كانت السبب.. أعترف أن نموذجنا استثنائي وبأنني محظوظ لأني التقيت بـ"رضوتي" بهذه الطريقة.