3- الدوامـــــة
" ديانا! "
كان صوت جايسون الذي استيقظ، قد ايقضها من تأملاتها واعادها الى الواقع، الى غرفتها في الفندق، الى البرد الذي يعم الغرفة والى حيرتها التي لاتنتهي.
سالها:
" ماذا تفعلين؟ "
وبالكاد كانت تميزه في العتمة. فجأة شعرت بالتوتر، وقالت:
" اني ... اني اعد النجوم"
" هذا عمل شاق لاينتهي، ان عدد النجوم لا نهائي".
فوجئت ديانا، لقد صدقها، اذ لم تكن هناك سخرية في صوته.
اضاف هامساً:
" البرد قارس! لماذا لا تخلدين الى النوم هنا في السرير؟ "
اجابته وهي تحاول التغلب على قشعريرة البرد التي تجتاح جسمها:
" انني مرتاحة حيث انا شكراً".
قال وهو يخنق ضحكة صغيرة:
" لاخطر عليك اذا كنت قربي. انا مرهق ولن اقوم بأي عمل فيه اجهاد".
كانت تعرف جيداً ماذا يعني. وفهمت ان جايسون لم يعد يرغب فيها. لم تعد تلك المرأة التي احبها التي كانت تعني له اشياء كثيرة.
لماذا عليها ان تعاني من هذا الوضع؟ فهي تعرف جيداً انه لم يعد يريدها، وقاست من العذاب ما يكفي بعد انا غادر لندن منذ خمسة عشر شهراً. الى هيوستن. كانت تنتظره آملة ان يعود. وبعد مضي شهر بكامله لم تسمع عنه شيئاً، فاقتنعت بأنه لن يعود.
ومرة سألت والدها اذا كان يعرف شيئاً عن جايسون وعن مكان وجوده. فقال والدها وهو يلقي اليها نظرة باردة:
" لماذا تطرحين هذا السؤال؟ "
" منذ اكثر من شهر لم اسمع عنه شيئاً. وبدأت اخشى ان يكون قد وقع له حادث ما. "
ثم انفجرت باكية وهي تقول:
" آه ، يا ابي، تشاجرنا في لقائنا الاخير، فغضب ورحل. والآن بدأت اعتقد باني ربما خسرته الى الابد! "
" اني افهم الآن. هناك وسيلة واحدة لمعرفة الحقيقة. ليس عليك الا ان تكتبي له رسالة، وابعثي بها الى عنوان شركته، التي ستوصلها اليه بالتأكيد. اني متأكد من انه يملك السبب الحقيقي لصمته."
عادت الى منزلها وبدأت تكتب الرسالة . وكانت تجد صعوبة كبرى في اختيار الكلمات. كأنها تكتب لرجل غريب. وبرغم كون العلاقة بينهما حميمية، اكتشفت ديانا انهما لم يعرف احدهما الآخر كفاية. فلم تستطع ان تكتب له الا عن الامور السطحية من دون ان تذكر شيئا عن العذاب الذي تعاني منه جراء رحيله.
الحياة تستمر والايام اصبحت اسابيع والاسابيع شهورا. وديانا لم تتسلم جوابا على رسالتها. لم تستطع ان تكتب اليه رسالة اخرى. كانت تخبر صديقتها اونيس بما تشعر به وهي في قبضة الانتظار. فراحت تحاول اقناعها ان زواجها من جايسون كان خطأ عليها ان تنساه وتبدأ حياة جديدة.
قالت اونيس:
" نال من هذا الزواج ما يريد. وعندما قلت له انك ترفضين وقاحته، انتهزها فرصة ليتخلى عنك. وهو كان ينتظر فرصة كهذه، لأنه لم يعد يرغب فيك. لو كنت مكانك. لطلبت الطلاق. في اي حال، لن يعود اليك ابداً".
لكن ديانا كانت تقاوم طويلا فكرة الطلاق. وفي احدى الليالي، بعد سهرة امضتها مع اونيس وبول، قام هذا الاخير بتوصيلها حتى باب منزلها. وهناك حاول ان يقبلها. لكنها صدته واذا به يصرخ بصوت غاضب:
" لم اعد قادراً على الانتظار اكثر من هذا. "
" اسفة يا بول. لاتظن انني اتجاهل صداقتك. لكن جايسون مازال زوجي، و..."
" اعرف ذلك جيداً. لكن حان الوقت لتتخذي موقفاُ من هذا الموضوع."
" هل تعني ان علي ان اطلقه".
" نعم. وهذا يجعلني اكثر من صديق لك. انه يتيح لي ان اتزوجك."
" لكن علي ان اتصل بجايسون قبل ذلك. لا يمكنني ان احصل على الطلاق من دون ان اكلمه، او اراه. انني لا اعرف اين هو."
" ليس من الضروري ان تريهاو تحدثيه. ما عليك الا تسليم القصية الى محام لامع، يمكنه ان يرتب الامور بسهولة."
" شكرا لنصيحتك هذه، وربما هذا ما سأفعله، سأستشير احد المحامين، وسأعلمك بالامر في حينه."
لكنها لم تستشر اي محام. لقد فضلت ان تطلب النصيحة من والدها، الذي سألها ببرود:
" ولماذا تريدين ان تتصلي بجايسون هذه المرة. في المرة الاخيرة، لم يحالفك الحظ."
اجابته قائله:
" بول يريد ان يتزوجني."
" وانت؟ اتريدين الزواج من بول؟"
" لااعرف، اني احترمه، انه لطيف جدا معي، لكني خائفة من ارتكاب غلطة اخرى."
سألها كريستوفر في حدة:
" هل تعتقدين ان زواجك من جايسون غلطة"
اجابته من دون تردد:
" كلا، آه، لا اعرف. لم نتزوج الا من وقت قصير ونادرا ما رأيته وبالكاد اعرفه! يا ابي ارجوك ان تقول لي: ماذا افعل؟"
" بصراحة يا عزيزتي، اعتقد انك في حاجة الى اجازة يجب ان تغادري شقتك، لتذهبي الى مكان مختلف تماما، حيث لا تعرفين احداً. اعتقد انه يمكنك ان تطلبي اجازة من عملك."
" نعم، لدي اسبوعان من اجازتي، لكنني كنت انوي ان امضيها في اليونان، مع اونيس."
قطب كريستوفر حاجبيه وتابع يقول بصوت هادئ:
" لا اعتقد ان سفرك مع اونيس الي اليونان هو الحل الجيد. فهي شقيقة بول وغالبا ما تراه، وستجدين صعوبة في اتخاذ قرار عادل، حسب رأيي، من الافضل ان تأتي معي الى اميركا الجنوبية بعد اسبوع من الآن. سأذهب اولاً الى فنزويلا، ثم الى الاكوادور وبعدها الي البيرو، اذا سمح لي الوقت بذلك. انها رحلة عمل واستجمام في الوقت نفسه. هل تعجبك فكرة مرافقتي، كما في الماضي؟"
قبلت ديانا عرص والدها واحست بارتياح. وها هي الان في كيتو، و والدها مصاب في قلب الادغال. وزوجها نائم في سريرها.
نهضت ديانا. احست بالبرد يخترقها. وشعرت بحاجة الى دخول السرير، و وضع غطاء فوق جسمها البارد.
كان جايسون نائما، وهو لن يشعر بها اذا اندست في السرير. الم يطئمنها انه لن يحاول ايذائها او حتى لمسها.
رفعت زاوية الغطاء وتمددت في الجهة الفارغة من السرير ورمت الغطاء فوقها واحست بالراحه والحرارة. مدت قدميها وتركت اطرافها تسترخي.
بعد ذلك بقليل تحرك الغطاء فجأة. قتحت ديانا عينيها. كان جايسون يتحرك في السرير واذا بذراع ثقيلة جامدة تقع على جسمها وتسمرها في السرير.
راح قلب ديانا يخفق مثل عصفور سجين. ولم تحاول القيام بأي حركة، لقد برحها النعاس، كانت خائفة ان يستيقظ زوجها.
وبالرغم منها، شعلت. تحركت يد جايسون الموضوعه فوقها، فلم تقم بأي حركة. واذا بجايسون يدور الى الجهة الثانية ويبتعد عنها. استعادت ديانا تنفسها وسمعته يهمس:
" حاولي ان تنامي بعض الشيء. غدا سيكون نهارا طويلا. وستكونين في حاجة لكل قواك."
صوت جايسون الناعس شد من عزيمتها. فاسترخت وسرعان ما لجأت الى النوم العميق.
عندما فتحت ديانا عينيها، كانت الشمس قد اشرقت، وكل ما حولها ساكن. وللحظة قصيرة، تسائلت ما ذا كان ما حدث امس مجرد حلم. استدارت، وكانت الجهة الثايه من السرير فارغة. جايسون كان قد غادر. فنهضت ونظرت الى الكرسي حيث وضع جايسون قميصه وسترته. فلم تر شيئاً.
ذهب دون ان يترك اية رسالة. نهضت من سريرها، ودخلت الحمام لتأخذ حماما سريعا، ثم ارتدت فستانا من القطن المعرق. وبينما كانت تسرح شعرها، رن جرس الهاتف.
وفي اضطراب، امسكت بالسماعة وسمعت صوت جايسون:
" واخيرا استيقظت ايتها الكسولة. ما رأيك في تناول فطور الصباح، لأشرح لك كيف نظمت سفرك الى يونو. فلم تسمح لنا الظروف ان نتكلم عن هذا الامر امس. "
سألته ديانا:
" اين انت؟ "
" في قاعة الاستقبال. انتظرك بعد ثلاث دقائق."
" بعد خمس دقائق."
كان يتمشى مثل اسد في قفص. ولاحظت ديانا ان النساء العابرات يتريثن لينظرن اليه. كان ممشوق القامة، اشقر، لوحته الشمس في هذه البلاد، حيث معظم الرجال سمر وشعرهم اسود.
قال لها من دون مقدمة:
" اتصلت بغاري فاوست. انه وكيل مدير الشركة. لقد ابلغني ان كريستوفر امضى ليلة جيدة في المستشفى. وهو موافق ان ترافقيني الى بونو."
سألته وهي تتوجه نحو غرفة الطعام:
" ماذا؟ هل كنت في حاجة لأستئذانه؟"
" لا، لكن الاشخاص الذين يقومون بالابحاث في حقول النفط، يفضلون ان يعرفوا مسبقاً مع من يتعاملون. انهم يخافون ان تقدم الشركات المنافسة على ارسال من يتجسس عليهم."
" شكرا. لم اكن افكر ان..."
فوقفت فجأة وجلست في الكرسي امام الطاولة.
" لم تفكري بماذا؟"
" انك قلق لهذا الحد لما حصل لأبي."
رمق جايسون ديانا في استغراب ثم هز رأسه وقال:
" ان لك رأياً غريبا في الناس عامة وفي انا بشكل خاص. لماذا تعتبرين ان الذي حصل لوالدك لا يهمني او يجعلني غير مبال ولا مكترث؟ اولاً انه انسان، كما اني اكن له كل محبة..."
توقف عن الكلام بعدما جاء الخادم ثن اضاف:
"ماذا تريدين ان تشربي؟ هل سبق وتذوقت الليمون الذي ينمو في هذه البلاد؟ يجب ان تجربيه. انه لذيذ الطعم وتجدينه فقط هنا في الاكوادور."
طلب جايسون كل ما يريد بلغة اسبانية صحيحة. وسألته ديانا بتعجب:
" لم اكن اعرف انك تتكلم الاسبانية؟"
" امضيت السنوات الثماني الاولى من عمري في هذه المدينة. لقد اخبرتك ذلك. ثم عشت في تكساس حيث اللغة الاسبانية هي بمثابة لغة ثانية. اتعرفين، ان الولد الذي يتعلم لغة اجنبية لا ينساها مدى الحياة. وعلى هذا الاساس عرضوا علي العمل هنا."
ثم اضاف فجأة:
" غيرت تسريحة شعرك."
وللمرة الاولى شعرت ديانا بالخجل امام زوجها. وفي حركة لا شعورية وضعت يدها على شعرها وقالت:
" قصيته حسب الموضه."